إذا كنت تفكر في شراء السكن الإقتصادي في طور الإنجاز اقرأ هذا التحقيق
أزيد من ألف شكاية تهم العقار توصلت بها الجامعة الوطنية لجمعيات حماية المستهلك بالمغرب سنة 2013. أي بنسبة تعادل 13 في المائة من مجموع الشكايات الواردة عليها عبر شباك المستهلك. شكايات تهم تجاوزات بخصوص مساحة الشقة وأجل التسليم وغيرها، والناشطون في هذا المجال يرون أن عقبات مماثلة في تزايد، بالنظر من جهة إلى غياب المراقبة وعدم احترام منعشين عقاريين لالتزاماتهم، ومن جهة ثانية لعدم وعي المستهلك بحقوقه كافة. وليست مدينة البيضاء بمنأى عن ذلك، فمشاكلها مع ملف السكن لا تنتهي، بل يعتقد محمد المغفري، رئيس جمعية البيضاء للدفاع عن حقوق المستهلك، أنها قد تتضاعف بسبب إقبال البيضاويين وتحديدا البسطاء منهم، على شراء عقار في طور البناء، تترتب عنه عوائق كثيرة. «المغرب بريس»، من خلال هذا الربورتاج، تعرض تبعات هذا النوع من البيع، الذي غالبا ما يفاجئ المستهلك بعد سنوات من الانتظار وبذل الغالي والنفيس، بشقة لا تشبه في شيء ما كان يحلم به.
في وقت يعد فيه امتلاك سكن قار أمرا مسلما به في دول أخرى، فإنه مازال بالنسبة إلى كثير من المغاربة حلما بعيد المنال، وقد لا يتحقق مع استمرار تراجع قدرتهم الشرائية وارتفاع مؤشر أسعار العقار الذي لا ينتظر أحدا.
والحديث عن أزمة السكن، وخصوصا السكن الاقتصادي في الدار البيضاء كما في باقي المدن، يستوجب بالضرورة الوقوف عند التجاوزات المرتكبة، واضطراب القطاع الذي تتحمل جميع الأطراف مسؤوليته، بمعنى المنعشين العقاريين، والسلطات المعنية بالمراقبة وضبط القطاع، وحتى المستهلكين والمستفيدين من هذه المشاريع. هي فوضى ينجم عنها ضياع للحقوق، وخروقات في البناء والتعمير، قد تسيء إلى جمالية المدينة، والأهم من ذلك أنها قد تهدد سلامة السكان.
وتتوصل جمعيات حماية المستهلك، ومنها جمعية البيضاء للدفاع عن حقوق المستهلك، بشكايات عدة تهم العقار، وخصوصا هذا النوع من السكن، يستنكر من خلالها المستهلكون ضعف جودة البناء، الذي يبدأ في التهالك بعد مرور بضعة شهور من تسلمهم لشققهم، وعدم احترام المنعشين العقاريين لبنود العقد ولآجال التسليم. وهناك أزيد من ألف شكاية تخص العقار توصلت بها الجامعة الوطنية لجمعيات حماية المستهلك سنة 2013، أي بنسبة تعادل 13 في المائة من مجموع الشكايات الواردة عليها عبر شباك المستهلك. تهم تجاوزات بخصوص مساحة الشقة وتاريخ التسليم وغيرها. وأغلبها اختلالات تنجم خصوصا عن عمليات شراء عقار في طور الإنجاز.
شراء شقة في السكن الاقتصادي
«شقة الأحلام»
«شراء منزل على الورق يشبه شراء السمك في البحر»، هكذا يصف البعض حال بيضاويين لجئوا مضطرين، إلى شراء شقة اقتصادية في طور الإنجاز (أي أنها مازالت حبرا على ورق). والسبب راجع في ذلك إلى كون هذا النوع من البيع يمنحهم سكنا «دائما»، مقابل الأداء بالتقسيط، ما يمكنهم من توفير ثمن الشقة في وقت مريح.
«مشكل كبير ذلك الذي يعيشه حاليا سكان مدينة الدار البيضاء، خصوصا البسطاء منهم، وهو الشراء عبر التصميم، أي شراء سكن لا يوجد على أرض الواقع..»، يقول لـ«يلاهو عقار» محمد المغفري، رئيس جمعية البيضاء للدفاع عن حقوق المستهلك. وهو رأي يشاطره فيه عدد من البيضاويين الذين استقت «يلاهو عقار» آراءهم. فهم ينظرون إلى هذا النوع من البيع على أنه يعقد أزمة السكن بدل حلها، لأن الحاجة تدفعهم إلى هذا النوع من الشراء، دون اتخاذ الاحتياطات اللازمة، ودون الحذر من اقتناء عقارات وهمية برغم وجود القوانين. فالمشكل ليس في عدم توفر القوانين ولكن في تطبيقها. بينما يؤيد آخرون نظام بيع العقار في طور البناء لأن أداء ثمن الشقة يتم على دفعات، وأيضا لأنه لا وجود لأي بديل آخر لأولئك الذين تعبوا من السكن بالإيجار، وسئموا من مشاكل السكن المشترك.
وانتهز منعشون عقاريون فرصة إقبال البيضاويين على مثل هذا النوع من البيع، فتناسلت عروضهم وحملاتهم الإشهارية المغرية، مثلما استغلوا البرنامج الوطني لتجهيز 200 ألف سكن منخفض التكلفة (الموجه للطبقة الفقيرة) لصالحهم، إذ وفر لهم امتيازات خاصة وقطعا أرضية المفروض أنها مخصصة فقط لإنجاز شقق اقتصادية، وهو ما لم يلتزم به كل المنعشين العقاريين.
«حاجة المستهلك الملحة إلى سكن يمتلكه تدفعه إلى شراء عقار في طور البناء رغم أنه يجهل خصوصيات الشقة التي سيقتنيها ومكانها ومواصفاتها، وينخرط في المشروع وهو في منتهى السعادة، دون أن يفكر في العواقب المترتبة عن هذه الخطوة. كل ذلك قبل أن يجد نفسه عالقا في مشاكل ومقيدا بشروط من طرف المنعش، بعد أن أدى دفعته الأولى من المبلغ…»، يقول محمد المغفري، رئيس جمعية البيضاء للدفاع عن حقوق المستهلك. هذه الأخيرة بصدد النظر في خمس شكايات تتعلق بالسكن الاقتصادي، حول خروقات في البناء والتسليم. وتتوصل الجمعية بالشكايات إما مباشرة عبر شباك المستهلك الخاص بالجمعية، أو عن طريق البريد العادي أو الالكتروني، وأيضا عبر بوابة خدمة المستهلك على الموقع الإلكتروني لوزارة التجارة والصناعة. وبعد الاطلاع على الشكاية، غالبا ما تعمد جمعية البيضاء إلى إيجاد حل ودي بين الطرفين تفاديا للجوء إلى المحاكم.
العقار يستأثر بحصة الأسد من مجموع الشكايات الواردة على جمعيات حماية المستهلك
قانون 44.00.. بين التجاهل والتطبيق
رغم أن قانون 44.00 المتعلق ببيع العقارات في طور الإنجاز، الذي جاء به المشرع سنة 2002 يقضي بحماية مصالح الطرفين، إلا أن بعض المنعشين العقاريين لا يحترمون هذا القانون ويستغلون حلم المستهلك البسيط في «قبر الحياة» كما يقال، مثلما يستغلون جهل معظمهم بمقتضيات هذا القانون وماله وما عليه. فالقانون سالف الذكر يلزم المنعش العقاري بشروط قبل أن يبدأ في بيع مشروعه السكني، وهو ما لا يتم في الواقع. ومنها وجوب الانتهاء من أشغال الأساسات على مستوى الطابق الأرضي (السفلي) قبل الشروع في البيع. فالقانون ينص على أنه لا يمكن إبرام العقد الابتدائي لبيع العقار في طور الإنجاز إلا بعد انتهاء هذه الأشغال. كما يؤدي المشتري قسطا من الثمن تبعا لتقدمها، وانتهاء الأشغال الكبرى لمجموع العقار. وفي هذه المرحلة يتعهد البائع باحترام التصاميم الهندسية وأجل إنجاز البناء. ويعد باطلا كل طلب أو قبول لأي أداء كيف ما كان قبل التوقيع على عقد البيع الابتدائي.
وما يحدث أن المنعشين العقاريين يسارعون إلى الترويج وبيع الشقق حتى قبل وضع اللبنات الأولى للمشروع. بل إن منهم من يبيعون شققا اقتصادية مبرمج تشييدها على أرض إما أنها مازالت أرضا فلاحية أو متنازعا عليها، أو حيا صفيحيا، وهو أمر مناف للقانون. وهذا وضع شائع جدا في الدار البيضاء إضافة إلى مدن أخرى كبرى منها طنجة وأكادير.
ومن بين التجاوزات الأخرى المرتكبة، عدم إبرام المنعش العقاري للعقد كما هو وارد في القانون 44.00، بل يكتفي بتحرير وثيقة حجز أو وصل خال من أي تفاصيل، بينما ينص القانون على أنه «يجب أن يحرر عقد البيع الابتدائي للعقار في طور الإنجاز إما في محرر رسمي أو بموجب عقد ثابت التاريخ يتم تحريره من طرف مهني ينتمي إلى مهنة قانونية منظمة ويخول لها قانونها تحرير العقود وذلك تحت طائلة البطلان».
ويجب أن يتضمن العقد هوية الأطراف المتعاقدة، والرسم العقاري الأصلي للعقار المحفظ موضوع البناء «أو مراجع ملكية العقار غير المحفظ مع تحديد جميع التحملات العقارية…، تاريخ ورقم رخصة البناء، وصف العقار محل البيع، ثمن البيع النهائي وكيفية الأداء، وأجل التسليم…». كما يجب أن يرفق هذا العقد بنسخ مطابقة لأصل التصاميم المعمارية بدون تغيير، وشهادة مسلمة من لدن المهندس المختص تثبت الانتهاء من أشغال الأساسات الأرضية للعقار.
مشاكل بالجملة
يكون المنعش العقاري مجبرا في بعض الأحيان على إعادة التصاميم عدة مرات. وهو ما يعني أن التصميم الذي رآه المشتري أول مرة والذي بناء عليه قرر اقتناء الشقة، من الوارد جدا أن يخضع لتعديلات. «يمكن أن يكون هناك خلل في التصميم أو مشاكل مع السلطات أو غيرها فيجري المنعش العقاري تغييرات على التصاميم دون أن يُعلم الزبائن بذلك…» يقول رئيس جمعية البيضاء لـ»يلاهو عقار»، مضيفا أنه حينما يقتني المستهلك شقة بناء على التصميم، فكل ما يعرفه عنها هو رقم الشقة وعدد غرفها والطابق الذي تقع فيه، ثم يفاجأ بعد التسليم بأن شقته تشوبها شوائب ونواقص. فكثير من هذه الشقق يعيد أصحابها إصلاحها إما بسبب شروخ في الجدران، أو لتسرب المياه، أو يقومون بإعادة دهانها. ثم هناك إشكالية المساحة، «فالجمعية حاليا بصدد الاشتغال على شكايتين في هذا الموضوع. أحد المشتكين الذي من المفروض أنه اقتنى شقة بمساحة 50 مترا مربعا فوجئ عند توقيع العقد أن مساحتها لا تتعدى 37 مترا مربعا. وآخر اشترى شقة بمساحة 72 مترا مربعا وما تسلمه هو شقة بـ 66 مترا مربعا» يقول رئيس الجمعية.
مستهلكون كثر يجهلون الوارد في القانون الخاص ببيع العقار في طور الإنجاز. وحتى إذا علم المستهلك البسيط بما له من حقوقه، يقول المغفري، فهو لا يستطيع الضغط على المنعش العقاري ليلتزم بالوارد في القانون. لأنه من السهل على المنعش العقاري الاستغناء عن الزبون، فالطلب أكثر من العرض، فيضطر هذا الأخير إلى الخضوع مكرها لقراراته، فمن يحمي حينها حقوق هذا المواطن البسيط؟. وما يزيد الأمر تعقيدا، حسب المغفري، هو أن القانون ينص على أنه في حالة فسخ العقد من قبل أحد الطرفين يحصل المتضرر من الفسخ على تعويض يقدر بـ 10 في المائة من ثمن البيع. وهو بند غالبا ما يلتزم به المشتري، وليس المنعش العقاري، فضلا عن أنه في حال التأخر عن أداء الدفعات يؤدي المشتري، كعقوبة، واحدا في المائة عن كل شهر على أن لا تتجاوز 10 في المائة في السنة. وبعض المستهلكين يقعون في ذائقة مالية حقيقية، ولا من يعينهم، حيث ترفض البنوك تمكينهم من سلف «وتايبقاو واحلين خاصهوم إما يتسلفو أو يبيعو أو يتخلاو على هاداك المشروع ويحيدو ليهم هاديك العشرة في المائة وتايوليو مساكن ثلاث سنوات وهوما ينتظرو ماعندهوم والو»، يقول المغفري.
وعدا مشاكل المساحة، والتأخر في التسليم، يدفع المستهلك أيضا ثمن عدم انتهاء الأشغال من طرف المقاولة الموكولة إليها عملية البناء. فالمشروع يوضع من طرف المنعش العقاري ويفوض مهمة التشييد إلى شركات أخرى متخصصة. ويحدث في بعض الأحيان أن هذه الشركة تتأخر في تسيلم العمل، أو أن صاحبها يتخلى عن المشروع أو غيره، ويصير المشتري، الذي دفع كل ما لديه من مال، ضحية ذلك.
مقتطفات من القانون 44.00 المنظم لبيع العقار في طور الإنجاز
يعتبر بيعا لعقار في طور الإنجاز كل اتفاق يلتزم البائع بمقتضاه بإنجاز عقار داخل أجل محدد كما يلتزم فيه المشتري بأداء الثمن تبعا لتقدم الأشغال. ويحتفظ البائع بحقوقه وصلاحياته باعتباره صاحب المشروع إلى غاية انتهاء الأشغال.
الفصل 4 – 618 يجب على البائع أن يضع دفترا للتحملات يتعلق بالبناء ويتضمن مكونات المشروع وما أعده له ونوع الخدمات والتجهيزات التي يتوجب إنجازها وأجل الإنجاز والتسليم.
يوقع البائع والمشتري على دفتر التحملات وتسلم نسخة للمشتري مشهود بمطابقتها لأصلها وبصحة إمضائه عليها.
الفصل 5 – 618 لا يمكن إبرام العقد الابتدائي لبيع العقار في طور الإنجاز إلا بعد الانتهاء من أشغال الأساسات على مستوى الطابق الأرضي.
الفصل 7 – 618 يتعهد البائع باحترام التصاميم الهندسية وأجل إنجاز البناء وبصفة عامة باحترام شروط دفتر التحملات المشار إليه في الفصل 4 – 618 أعلاه. غير أنه، وبعد الموافقة المسبقة للمشتري، يمكن منح أجل إضافي للبائع لإنجاز العقار.
الفصل 8 – 618 يعد باطلا كل طلب أو قبول لأي أداء كيف ما كان قبل التوقيع على عقد البيع الابتدائي.
الفصل 9 – 618 على البائع أن يقيم لفائدة المشترى ضمانة بنكية أو أية ضمانة أخرى مماثلة وعند الاقتضاء تأمينا، وذلك لتمكين المشتري من استرجاع الأقساط المؤداة في حالة عدم تطبيق العقد. وينتهي أجل هذه الضمانة بمجرد إبرام عقد البيع النهائي أو تقييده بالسجل العقاري إذا كان العقار محفظا.
الفصل 10 – 618 يمكن للمشتري بموافقة البائع إذا كان العقار محفظا أن يطلب من المحافظ على الأملاك العقارية إجراء تقييد احتياطي بناء على عقد البيع الابتدائي وذلك للحفاظ المؤقت على حقوقه.
الفصل 12 – 618 في حالة التأخر عن أداء الدفعات حسب المراحل المنصوص عليها في الفصل 618-6 أعلاه، يتحمل المشتري تعويضا لا يتعدى 1 في المائة عن كل شهر من المبلغ الواجب دفعه، على أن لا يتجاوز هذا التعويض 10 في المائة في السنة.
في حالة تأخر البائع عن إنجاز العقار في الأجل المحدد فإنه يتحمل تعويضا بنسبة 1 في المائة عن كل شهر من المبلغ المؤدى على أن لا يتجاوز هذا التعويض 10 في المائة في السنة.
الفصل 15 – 618 لا يعتبر العقار محل البيع منجزا، ولو تم الانتهاء من بنائه، إلا بعد الحصول على رخصة السكنى أو شهادة المطابقة وعند الاقتضاء بتقديم البائع للمشتري شهادة تثبت أن العقار مطابق لدفتر التحملات إذا طالب المشتري بذلك.
الاستعانة بخبير قد تجنبكم الكثير
يسعى محمد المغفري، رئيس جمعية البيضاء للدفاع عن حقوق المستهلك، من خلال نشاط الجمعية، إلى توعية المواطنين بضرورة الاطلاع على كافة حقوقهم الاستهلاكية خاصة في ما يتعلق بالعقار في طور الإنجاز. وسواء اشترى الشقة بطريقة عادية أو بهذه الطريقة،
ينصح المغفري المشترين لحظة تسلمهم مفاتيح الشقة بأن يستعينوا بخدمات خبير في العقار الذي سيساعدهم على رصد مزايا وعيوب الشقة قبل التوقيع على وثيقة التسلم.
«ولكن لحد الساعة الناس لا يطبقون هذا الأمر، ويكمن السبب أولا في قلة التوعية، وثانيا في ضعف المدخول، يعني أن المواطن البسيط الذي ضاق الأمرين من أجل اقتناء سكن اقتصادي بالتقسيط، ليس من السهل عليه دفع أقساط إضافية للخبير» يقول نفس المتحدث. ثم هناك مشكل آخر من وجهة نظر محمد المغفري، وهو أن الناس حينما يقتنون سكنا لا يؤمّنون عليه، وبعد مرور شهور قليلة مثلا يقعون في مشاكل بسبب شروخ في الجدران أو تسرب مياه قنوات الصرف الصحي، أو قد يتعرضون حتى لحوادث سرقة أو تخريب أو اشتعال النيران. «ومللي كانجيو نتدخلو ماتنلقاو حتى شي تأمين على ذاك السكن وكايبقا المستهلك واحل فيه. ماعدا الناس اللي واخدين قرض من البنك لشراء مسكن، حيث يرغمون عليهم التأمين باش ايلا وقع شي حاجة لا هي تخسر ولا هو يخسر»، يقول المغفري.